بقلم: نادين عبد الله |
2012-06-25 09:29:07
هزمت الثورة يوم تراجع التيار الذى جاء بها وبهتت الروح الجديدة التى بثها فى شرايين مجتمع يئن!
فقد نجحت الثورة حين قدمت لجموع الناس ثقافة «الحياة»، فحصلت على
تعاطفهم. وهل يمكن لإنسان أن يكره العيش بكرامة، وبحرية فى دولة عادلة؟ وهل
يمكن له أن يبعد يداً قدمت له تضحيات بكرم وسخاء؟ لا أعتقد. ولكنه يمكن أن
ينتفض، يبعد يدك بعنف، ويختار حياته القديمة إن رأى «ثقافة الحياة» تتحول
إلى «ثقافة موت»، وإن رأى دعوتك لتحقيق قيمة العدل تتحول إلى دعوة للثأر من
الذى سلبها. ولعل «موقعة العباسية» أبلغ دليل على ذلك: فقد أوحت لعموم
الناس أن الثورة تجرهم إلى صراعات عبثية. وبالتالى لم يكن من الغريب أن
نشهد، منذ هذا اليوم، بداية صعود الفريق شفيق. ووصلت الهزيمة مداها فى
الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية حين تلاشى «الجديد» بقيمه ومرشحيه،
فبرز على السطح الصراع «القديم» بين النظام والتنظيم.
ولكن- إحقاقا للحق- نشير إلى أن هذه ليست المشكلة الوحيدة، بل ظلت
الأزمة الرئيسية والواضحة للعيان تتمثل فى افتقار القوى المدنية والثورية
«للتنظيم». فقد جعلها هذا الوضع طوال العام المنصرم خارج المعادلة السياسية
رغم كونها جزءاً أصيلاً منها. وهو أمر رغم مرارته إنسانياً يمكن أن نفهمه
سياسياً، فمرحلة بناء نظام جديد تتطلب وجود قوى منظمة تتفاوض على شكله
وتشارك فى تأسيسه.
ببساطة.. الانتقال من مسرح الثورة إلى مسرح السياسة يتطلب تغيير
«الملابس» أو الأدوات. وهو ما يعنى حتمية التواجد التنظيمى وعدم الاكتفاء
بالنزول إلى الشارع وحسب. فهذه هى قواعد اللعبة، إما أن تسير وفقاً لها أو
تظل دوماً خارجها. وهل عادت «المليونيات» بالفائدة إلا على الجهات المنظمة
التى طالما قطفت الثمار وحدها؟ ولذلك الأولى بالقوى الثورية أن تنشغل
بتنظيم نفسها بدلاً من أن يقتصر دورها على التحرك لحساب باقى اللاعبين
السياسيين، ولاسيما أن الهدف ليس دائما واحداً. فشتان بين هدم النظام
القديم من أجل إصلاح الدولة وهدمه من أجل السيطرة على هذه الدولة، فالأول
حلم جميع المصريين، أما الثانى، فهو حلم تنظيم بعينه.
وفى هذا الصدد، نشير إلى أن البناء التنظيمى له قواعده وشروطه: أما
الشرط الأول، فهو الخاص بالبناء القاعدى- أى بصناعة كيان يبنى من أسفل إلى
أعلى. وهو ما ظهرت نواته لأول مرة خلال الانتخابات الرئاسية الماضية. فقد
حصل مرشحو «التيار الجديد» على ملايين من الأصوات منتشرة فى ربوع مصر، بما
يعنى صناعة حقيقية لقواعد اجتماعية يعتد بها. فها هى الفرصة تسنح أخيرا
لتلافى مشكلات التجارب الحزبية السابقة التى افتقرت التواجد على الأرض فظلت
هشة وضعيفة. أما عن الشرط الثانى، فهو المتعلق بالحفاظ على وحدة النسق
الفكرى. فهيهات أن يستمر كيان تتصارع بداخله أجنحة تمثل توجهات فكرية
متباينة. وهذا يعنى ضرورة العدول عن الفكرة المبسطة التى تبغى تجميع القوى
الثورية على اختلافها داخل تنظيم موحد لمواجهة النظام القديم. باختصار،
نحتاج الآن إلى تأطير الأصوات التى حصل عليها مرشحو «التيار الثالث» داخل
تنظيمات تعبر عن التوجهات الفكرية والمجتمعية التى يمثلها كل منهم. أما عن
الشرط الأخير، فهو الخاص بضرورة إبداع هيكل تنظيمى يحقق التوازن بين معضلة
الانتشارالأفقى والتماسك الرأسى. فلابد أن يكون رخواً كالتيار بما يحقق
سهولة التواصل، ولكنه فى الوقت نفسه متماسك تنظيميا ومرتبط بوضوح بالرأس
والمركز، وإلا انفرط العقد.
نعم.. هذه هى الفرصة التاريخية السانحة لبناء «التيار الجديد أو الثالث» عصب الثورة، فهل يقتنصها رموزه ويحققون أحلامنا..؟!
* باحثة فى منتدى البدائل للدراسات وباحثة دكتوراه فى جامعة جرونوبل بفرنسا
نقلاً عن المصري اليوم