موعد مع الرئيس
جمال سلطان المصريون : 28 - 06 - 2012
على
مدار ساعتين تقريبًا أمس كان لقاء الرئيس محمد مرسي مع رؤساء تحرير الصحف
المصرية في قصر العروبة ، كانت الخواطر هادئة والأجواء متفائلة والحضور
جميعًا لا يشعرون بأي توتر أو قلق أو حتى حيرة ، فقط اثنان أحدهما رئيس
تحرير صحيفة أسبوعية خاصة ورئيس تحرير مجلة قومية ممن كانوا يؤيدون أحمد
شفيق بهستيريا، كانا متوترين جدًّا عندما تكلما ، لكنهما ضحكا كثيرًا بعد
الخروج ، وكأنما شحنة كبت كانت تتفجر في الداخل فخرجت واستراحا ، خيرًا ،
بدا الرئيس المنتخب أكثر استبشارًا وانفتاحًا في لقائه الأول مع الصحفيين
، ولم يمنعه البروتوكول من استخدام "القفشات" ذات الدلالة عندما تحدث رئيس
تحرير صحيفة يومية خاصة صدرت حديثًا بأموال طائلة لضرب الثورة والتمهيد
لعودة النظام القديم ، وبشرت المصريين بأن الانتخابات ستنهي ثورات الربيع
العربي كله ، عندما بدأ صاحبنا في الكلام قال : في البداية أهنئ سيادتكم
طبعًا .." ، فاستوقفه الرئيس وقال له : طبعًا وأمرك لله !! ، فضحك جميع
مَن في القاعة ، تحدثت كثير من الصحفيات منتزعات فرصة الحديث أكثر من باقي
الحضور مستخدمات فزاعة أن الناس قلقة من أن الرئيس "الإخواني" لن يحترم
حقوق النساء ، فنجحت الحيلة وتحدثن كثيرًا وطويلاً أكثر من غيرهن ، أيضًا
بدا الرئيس مجاملاً للصحفيين الذين كان لهم موقف عنيف ومتطرف تجاهه في
الانتخابات الأخيرة ، وحاولوا ضربه في الانتخابات بكل ما أُوتوا من قوة
حتى أنه منحهم فرص الحديث أكثر من الباقين ، كأنه أراد أن يبعث برسالة
يقول فيها إن اليوم ليس يوم تصفية حسابات ، وأن صفحة الانتخابات وصفحة
الماضي كله قد طويت ، وأن قلبه وعقله أصبح مفتوحًا على الجميع بلا أي
حساسيات ، وقد حرص مرسي في حديثه على التأكيد على هذا المعنى كثيرًا ،
وأنه لا ينزعج أبدًا من النقد مهما كان لاذعًا ، لكنه تمنى على الصحافة
المصرية أن يكون بوصلة نقدها أو تأييدها أو اختلافها هو المصلحة الوطنية
ومستقبل البلد بعيدًا عن الشخصنة أو الحسابات الضيقة والصغيرة ، وفي حديثه
نفى أن يكون قد استقال من حزب الحرية والعدالة ، ولكنه قال إنه استقال من
رئاسة الحزب ، ولكنه عضو عادي فيه؛ لأنه مؤسس للحزب ، ومن حقه كمواطن أن
يكون عضوًا عاديًا في أي حزب ، وعن جماعة الإخوان المسلمين أكد على أنها
ستتخذ قريبًا جدًّا إجراءات توفيق أوضاعها وفقًا لقانون الجمعيات الأهلية
في مصر ، وعندما حدثه نقيب الصحفيين ممدوح الولي عن معاناة الصحفيين
ماديًا ، وأنه يطلب أن يرفع بدل التدريب إلى ألف ومائتي جنيه ، وأن هذا لن
يكلف خزينة الدولة أكثر من بضعة وخمسين مليون جنيه ، في الوقت الذي تدخل
خزينة الدولة من دمغة الإعلانات أكثر من سبعمائة مليون ، فطلب منه على
الفور أن يقدم طلبًا مكتوبًا لسرعة إدخاله في الميزانية التي على وشك
الانتهاء .
بدا الرئيس الجديد مقنعًا ولديه حضور نفسي يعطي انطباعًا
بالثقة لدى مَن يستمع إليه ، لكن تبقى دائمًا الأفعال والممارسات على أرض
الواقع هي الفيصل والحكم ؛ لأن أي حديث عن ضمانات من "السيد الرئيس" هو من
مخلفات ثقافة مرحلة الاستبداد والديكتاتورية ، الضمانات ليست من الرئيس ،
وإنما من القانون والمؤسسات ، وبقدر ما يحقق المؤسسية في مختلف قطاعات
الدولة ، وبقدر ما يرسخ من سيادة القانون واستقلالية العدالة وبقدر ما
يحرص عليه من توازن السلطات واستقلالها بقدر ما تتنامى الثقة به وبتجربته
في الحكم ، وأنا أثق بأنه جاد في إنجاز ما وعد به من إصلاحات .