نشرت صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" الامريكية تحليلا للاوضاع فى مصر،تحت عنوان "هل انتهت ثورة مصر"، وقالت الصحيفة إن ميدان التحرير عاد ليمتلئ مرة اخرى بالثوار والمتظاهرين، لكنه لم يعد يمثل القوة الرمزية للمصريين كما كان الحال فى مطلع عام 2011 ، حيث ان المشهد اليوم اصبح من اجل الديمقراطية وليس من اجل التخلص من الديكتاتور.
أضافت الصحيفة ان المصريين بمختلف اطيافهم وميولهم واعمارهم فرحوا وهللوا بالتخلص من الرئيس السايق "حسنى مبارك"، ولكن كان السؤال الذى طرح نفسه بعد تنحى "مبارك" فى الحادى عشر من فبراير العام الماضى، هو ماذا بعد؟!. فقد ادرك الجميع سواء الثوار الشباب او الناشطون السياسيون او جماعة الاحوان المسلمين صاحبة الخبرة السياسية والحنكة، ان المهمة صعبة، وان رحيل "مبارك"، لا يعنى نهاية المهمة، بل ان النظام لايزال قائما بكل اركانه وتلك هى المهمة الصعبة التى كانت تستوجب موقفا وطنيا موحدا.
5 جولات انتخابية بلا فائدة ذكرت الصحيفة انه خلال عام ونصف العام شارك المصريون فى خمس جولات من الانتخابات، ومع ذلك لم يصلوا الى تشكيل حكومة مدنية. فقد احكم المجلس العسكرى الذى يدير شئون البلاد قبضته على السلطة، فى اللحظات الاخيرة، بدلا من الوفاء بوعوده فى تسليمها للمدنيين فى نهاية يونيو الجارى، لينهى بذلك على اى ادعاء بأنه هو حامى المرحلة الانتقالية نحو التحول الديمقراطى. واكدت الصحيفة انه بينما يتجمع الآلاف فى ميدان التحرير والميادين الاخرى فى مصر منددين بالمجلس العسكرى وافعاله، ورافضين قراراته الاخيرة ، خرج المجلس ليبرر قراراته فى بيان ، حيث اكد ان حل البرلمان والاعلان الدستورى المكمل ، وحصوله على مزيد من الصلاحيات يهدف الى المصلحة العليا للبلاد.
العسكرى ضمن مقعد القيادة واضافت الصحيفة ان المجلس العسكرى ضمن لنفسه مقعد القيادة ، سواء فاز "محمد مرسى" او "احمد شفيق" بمنصب الرئاسة. وتساءلت الصحيفة عن سبب تأجيل اعلان انتخابات الرئاسة . وقالت ان الناشطين والمهتمين بالشأن العام وحقوق الانسان والحريات فى مصر ، اعتبروا قرار المجلس العسكرى باصدار اعلان دستورى يمنحه صلاحيات واسعه، ما هو الا اعلان للحرب ، وان الرئيس القادم لن يكون له اى صلاحيات ، والسلطة ستكون مركزة فى يد المجلس العسكرى.
المصريون خدعوا واشارت الى ان المصريين لم يروا هذه الصورة او يتوقعوها فى 11فبراير 2011 عندما تنحى "مبارك" وسلم السلطة للمجلس العسكرى . فعندما تنحى "مبارك" وظهر جنود الجيش فى ميدان التحرير ، كان الشعار المرفوع وقت ذاك " الجيش والشعب ايد واحدة" ، حيث اعتقد الثوار ان الجيش يقف فى صفهم . الا ان الجيش الذى يعتبر القوة الحقيقية ، وراء الحكومة المصرية منذ حركة الضباط الاحرار عام 1952 التى انقلبت على الملك ، لم يتخلى عن السلطة والامتيازات التى ورثها. ومنذ توليه المسئولية عقب تنحى "مبارك" ، دأب المجلس العسكرى على اصدار القوانين والمراسيم ودعم قوته ومركزه ، معتمدا على انه فى طريقه لتسليم السلطة واند يدير مرحلة انتقالية .
الشك أصبح واقعاً الا ان الشكوك التى كانت تراود البعض تجاه نوايا المجلس العسكرى فى تسليم السلطة تحولت من شكوك الى واقع خلال الايام القليلة الماضية . فقد اصدر قرار ا بحل البرلمان ، و اعطى لعناصر الجيش والمخابرات الحربية حق الصبطية القضائية للمواطنينن المدنيين ، وهيمن على السلطة التشريعية واحكم قبضته على كتابة الدستور الجديد. ورغم ان العديد من المصريين كانوا لا يزالون يثقون فى المؤسسة العسكرية ، التى كانت فى نظرهم رمزا للاستقرار، الا ان هذه الثقة بدأت تتآكل فى الاونة الاخيرة ، مع تفاقم المشاكل الاقتصادية وتدنى مستويات المعيشة للفقراء ، وهو ما يجعل الخيارات امام المجلس محدودة ، فى مواجهة اى احتجاجات واسعة تقودها جماعة الاخوان المسلمين . ونقلت الصحيفة عن "مارك ليفين" استاذ تاريخ الشرق الاوسط بجامعة كاليفورنيا قوله:" ان الكل يدرك حاليا ان الجيش والشعب لم يعدا يد واحدة ، وهى ميزة كبيرة فقدها المجلس العسكرى ، حيث فقد المواطننون الثقة فى المجلس فى ظل تدهور الاوضاع وانتقالها من سىء الى اسوأ.
العسكرى خائف من المحاكمة وفقا للعديد من المحللين ، فإن سلوك المجلس العسكرى تغير نتيجة مخاوفه من هيمنة جماعة الاخوان المسلمين على البرلمان والرئاسة . واشار " مارك ليفين " الى ان المجلس العسكرى شعر ان السلطة تسحب من تحت اقدامه بشكل سريع، وانه اذا لم يتصرف بشكل سريع قبل ان تحكم جماعة الاخوان قبضتها على كل المؤسسات ، قسيتحول الوضع فى مصر الى ماحدث فى تركيا ، عندما تمكن حزب رئيس الوزراء التركى "رجب طيب اردوجان" من ابعاد العسكر عن السياسة ، بل انه يحاكمهم حاليا بتهمة التآمر على الحكومة. واضاف " ليفين ": ان جنرالات مصر خشوا ان يكون مصيرهم المحاكمة اذا ما احكمت جماعة الاخوان المسلمين قيضتها على مؤسستى الرئاسة والبرلمان ، وهو هاجس ربما يكون فى محله، خصوصا ان العسكريين كونوا ثروات كبيرة من خلال بيزنس المؤسسة العسكرية .
بيزنس العسكرى ونقلت الصحيفة عن " شانا مارشال"، وهى زميلة فى مركز أبحاث في جامعة "برانديز" في والثام بولاية ماساشوستس الامريكية قولها :" ان الجيش لديه مصالح في أكثر من 60 مشروع مشترك مع شركات أجنبية في البلاد، وينتج كل شيء من الثلاجات إلى المياه المعبأة في زجاجات والمنتجات البترولية المكررة. ويرفض تماما الافصاح عن حساباته واعماله ، ويريد ان تظل هكذا دون رقابة.
أمريكا تتفرج وتساءلت الصحيفة :" أين هي الولاياتالمتحدة من كل هذا؟ وتجيب ..على الهامش. فقد تحركت الأحداث منذ فبراير 2011 بسرعة، وربما لم يكن في مقدور الولاياتالمتحدة ان تفعل شيئا له تأثير كبير . واشارت الصحيفة الى ان ادارة الرئيس الامريكى "باراك اوباما" ربما تكون ترددت كثيرا فى الضغط من اجل الديمقراطية فى مصر، لأنها ربما تكون اكثر راحة فى التعامل مع العسكريين فى مصر الذين يؤيدون اتفاقية السلام مغع اسرائيل ، بينما لا تفضل امريكا صعود الاسلاميين الذين يطلقون تصريحات معادية لاسرائيل .